viernes, 28 de septiembre de 2012

في معنى العمارة عند المتصوفة

سماع وهيللة في ليلة فاتح يوليوز 1995 بمقر الزاوية البصيرية ببني اعياط إقليم أزيلال على عهد الشيخ المصطفى بصير رحمه الله

ابتهالات ناذرة في احتقال ليلة فاتح يوليوز 1995 بمقر الزاوية البصيرية ببني اعياط إقليم أزيلال على عهد الشيخ المصطفى بصير رحمه الله

عمارة ثانية ليلة فاتح يوليوز 1995 بمقر الزاوية البصيرية ببني اعياط إقليم أزيلال على عهد الشيخ المصطفى بصير رحمه الله

حصة ذكر وابتهال ليلة فاتح يوليوز 1995 بمقر الزاوية البصيرية ببني اعياط إقليم أزيلال على عهد الشيخ المصطفى بصير رحمه الله

انشاد البردة للبويصري من طرف مريدي الطريقة البصيرية، في موسم 1995 بمقر الزاوية البصيرية ببني اعياط إقليم أزيلال، على عهد الشيح مولاي المصطفى بصير رحمة الله عليه.

martes, 29 de mayo de 2012

فتوكل على الله إنك على الحق المبي



أنت أيها المؤمن إذا كنت مستقيماً، إذا كنت متبعاً لسنة النبي، وإذا كنت محباً لله عز وجل،

مخلصاً له، لا تخشَ أحداً، فتوكَّلْ على الله، هناك معنى يسميه العلماء: ما بين السطور،

معنى ضمني، أنّ الله لا يتخلى عن المؤمنين، فإن كنت مؤمناً صادقاً فتوكل عليه فهو لا

يتخلى عنك، فتوكل على الله إنك على الحق المبين، وما دمت على الحق المبين فإنّ الله لا يخذلك.

sábado, 26 de mayo de 2012

Habib Ali Al Jifri : Bilal et l'amour du Prophète

صحبة الفقرا



مـا لـذة الـعيش إلا صحبة الفقرا ** ** هم السلاطين و السادات والأمرا
فاصحبهموا وتأدب في مجالسهم ** ** وخــل حـظـك مـهما قـدموك ورا
واستغنم الوقت واحضر دائما معهم ** ** واعلم بأن الرضا يختص من حضرا
ولازم الـصـمت إلا إن سـئلت فـقل ** ** لا علم عندي وكن بالجهل مستترا
ولا تَرَ العيب إلا فيك معتقداً ** ** عـيباً بـدا بـيِّناً لـكنه استترا
وحـط رأسك واستغفر بلا سبب ** ** وقف على قدم الإنصاف معتذرا
إن بــدا مـنك عـيب فـاعتذر وأقـم ** ** وجه اعتذارك عما فيك منك جرى
وقـل عـبيدكموا أولى بصفحكموا ** ** فـسامحوا وخـذوا بـالرفق يا فقرا
هـم بـالتفضل أولى وهو شيمتهم ** ** فـلا تـخف دركـا مـنهم ولا ضررا
وبـالـتغني عـلـى الإخـوان جد أبداً ** ** حساً ومعنى وغض الطرف إن عثرا
وراقب الشيخ في أحواله فعسى ** ** يـرى عـليك مـن استحسانه أثرا

viernes, 4 de mayo de 2012

pasos!!

Todo lo que sabes. Todo lo que eres. Todo lo que haces. Todo lo que tienes. Todo lo que cres. Todo te ha servido para llegar hasta aqui...c:) ¿¿Como seguir? ¿¿Como ir mas alla? Es tiempo de usar, Todo lo que todavia no sabes, Todo lo que aun no eres, Todo lo que por ahora no haces, Todo lo que afortunadamente no tienes, Todo aquello en lo que no cres. c:) Inchalah todo llegara tarde o temprano pero llegara sin ninguna duda 

jueves, 3 de mayo de 2012

قراة جميلة: مريم

آداب التعامل مع المعاق .


بسم الله الرحمن الرحيم
 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أهمية الأدب في الإسلام :
 أيها الأخوة الكرام، كما تعلمون الإسلام في مجمله عقائد وعبادات ومعاملات وآداب، فالآداب ربع الدين، قضية تتعلق بالعقيدة، قضية الصلوات مع العبادات، قضية الدين والوكالة والحوالة والطلاق والخلع مع المعاملات، قضية احترام الآخرين التواضع لهم خدمتهم متعلقة بالآداب، بل إن الذي لفت نظر أصحاب رسول الله في رسول الله هذا الأدب الجم، هذا التواضع، حتى أنه سئل: ما هذا الأدب يا رسول الله؟ قال: أدبني ربي فأحسن تأديبي.
 وإن لم يكن أدب المؤمن صارخاً يلفت النظر ففي إيمانه شك، لا يمكن لمؤمن أن يكون وقحاً، ولا أن يكون بذيئاً، ولا أن يكون فاحشاً، ولا أن يكون مستعلياً، ولا متكبراً، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.
 كنت أضرب هذا المثل كثيراً؛ إنسان فقير جاءه ضيوف كثر، لا يوجد عنده إلا كيلو لبن، أضاف إلى هذا اللبن أربعة أحجام، فجعله عيراناً، وقدمه لضيوفه أربع أحجامه، وبقي اللبن لبناً وسائغاً للشاربين، وقدم ضيافةً، أما لو وضع في هذا اللبن قطرةً من النفط أفسده، ولا بد من أن يستغني عنه، كذلك الكبر يفسد العمل كما يفسد الخل العسل.
 في الدرس السابق تحدثت عن المعاقين بشكل أو بآخر، من كان حظه في الدنيا قليلاً، حظه من الصحة قليلاً، فقد بصره، أو فقد حركته، وبينت أن الحظوظ في الدنيا توزع توزيع ابتلاء، لأنها سوف توزع في الآخرة توزيع جزاء، فالعبرة لا للدنيا بل للآخرة، وبينت أيضاً أنه من سوء الفهم، ومن سوء التصور أن تعتقد أن الله إذا حرمك شيئاً فأنت عنده مهان، لا والله، وأنه إذا أعطاك شيئاً فأنت عنده مكرم، لا والله، ليس عطائي إكراماً ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء وحرماني دواء، فالمؤمن بالحقيقة حينما ينطلق من تصور صحيح يتصرف تصرفاً صحيحاً، وأنا أؤكد لكم والله ما من سلوك منحرف إلا بسبب تصور منحرف، قد يبدو لكم هذا الموضوع ثانوياً، أو يعني فئة قليلة، لا والله، لو أن طفلاً صغيراً قصير القامة أو يوجد عنده عيب خلقي، والمعلم سخر من هذا العيب أمام زملائه، أقسم لكم بالله إن هذا المعلم في حق هذا الطالب مجرم، المعلم المؤمن يتجاهل هذا العيب تجاهلاً كاملاً، ويعامله كرفاقه تماماً، ويسأله، ويهتم له، ويثني على تفوقه، وكأن هذه العاهة ليست موجودة، هذا هو المؤمن، هذا هو الذي اصطبغ قلبه بكمال الله، لذلك كم من معلم أو معلمة، أو صاحب متجر، أو رئيس دائرة فرضاً غضب من أحد موظفيه، أو من أحد معه في العمل فوصمه أو عيره بعيب خلقي، وكأن قصةً ذكرتها قبل عدة أسابيع هي الآن مناسبة جداً.
إكرام كل من عرف الله وكل من استقام على أمره بغض النظر عن شكله واجب علينا:
 إنسان دميم جداً، وقد ذكرت لكم أن بعض التابعين كان قصير القامة، أسمر اللون، أحنف الرجل، ضيق المنكبين، غائر العينين، ناتئ الوجنتين، ليس شيء من قبح المنظر إلا وهو آخذ منه بنصيب، وكان مع ذلك سيد قومه، إذا غضِبَ غَضِبَ لغضبته مئة ألف سيف، لا يسألونه فيم غضب؟ فإنسان جاء النبي عليه الصلاة والسلام قال: يا رسول ماذا علي أن أعمل؟ ذكره بأركان الإسلام؛ تشهد أنه لا إله إلا الله، وأني رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج البيت إلى آخره، فقال: يا رسول الله لو أني فعلت هذا ما لي عند الله؟ قال له: أنت رفيقي في الجنة، انظر إلى هذا التواضع بالمقياس الجمالي صفر، وما لم نحكم قيم القرآن في حياتنا نسقط من عين الله جميعاً، فقال له: أنت معي في الجنة، فقال: يا رسول الله ما بال هؤلاء الذين حولك لا يزوجونني؟ عرضت هذه القصة على أخ كريم متبحر في السيرة قال لي: هذا الرجل أكتع اليد، أعور العين، هكذا قال لي، فقال النبي: اذهب إلى بيت فلان، وقل لهم: إن رسول الله زوجني ابنتكم، ما هذا المجتمع؟ طرق الباب فتح الأب لقيه على هذه الحالة، ما صدقه، طرده سمعت ابنته فقالت: يا أبت ألا تخشى أن يسبقك الوحي إلى رسول الله فينبئه بما صنعت، إن رفضت من أجلي فأنا راضية به، انتهى الأمر.
 والله التقيت بإنسان زارني من بيروت، جاء إلى المسجد حدثني قال لي: تزوجت امرأةً مؤمنةً كفيفة البصر، وهو شاب، والله كما يقولون كالوردة تماماً، هذا عمل عظيم أخلصت إليه إخلاصاً لا يصدق، المعاق يجب أن يعامل معاملة خاصة، سآتي على التفاصيل ينبغي أن تحترمه، هل تصدق إنك إن لم تسلم على كفيف البصر فقد خنته هو لا يراك، ورد في بعض الأحاديث أن ترك السلام على الضرير خيانة، قد تجد إنساناً له لون معين، له طول معين، فيه عيوب بخلقه كثيرة جداً، أنت كمؤمن لا يمكن أن تتعامل معه إلا وفق مقياس العلم والعمل فقط، وفق علمه بالله وعمله الصالح فقط، وما لم نكرم كل من عرف الله، وكل من استقام على أمره فلا يقيم الله لنا يوم القيامة وزناً، مقاييسنا أرضية.
قصة تبين روعة المجتمع الإسلامي في عهد النبي الكريم :
 عندما قالت له ابنته هذا الكلام خاف، وأسرع إلى النبي صلى الله عليه وسلم بلغه الأمر، النبي عاتبه قال له: والله يا رسول الله ظننته كاذباً، وأشهد أنني زوجته ابنتي، وأبلغ النبي ما قالت له ابنته: إن كنت رفضته من أجلي فأنا راضية به، أي أنا أحترم رغبة رسول الله، هذا مجتمع المؤمنين، فقال له النبي: قل لابنتك: بارك الله لها في عمرها وفي مالها، جيء بالشاب عمك وافق، ماذا عندك يا بني؟ قال: ما معي شيء، على باب الله، فأمر ثلاثة من أصحابه أن يحملوا عنه المهر، أحدهم سيدنا علي، وسيدنا سعد، وسيدنا عبد الرحمن، أعطاه كل واحد مئتي درهم ليشتري به حاجات العرس، العرس في نفس اليوم ليس عندنا سنتين تطلع روحه حتى يأتي العرس، في نفس اليوم، وإذا بمنادي الجهاد ينادي أن يا خيل الله اركبي، هذا الإنسان الذي ما كان يحلم بحياته أن يتزوج لولا تدخل النبي، ما كان يحلم بحياته أن يتزوج إلا بتدخل النبي، آثر الجهاد في سبيل الله فانضم إلى ركب المجاهدين، واستشهد، من شدة تأثر النبي كفنه بيده، ودفنه بيده، وصلى عليه، اسمه سعد، وقال: هو رفيقي في الجنة، وأرجو الله أن يعوضه خيراً من زوجته.
 هذه القصة انتهت، ما هذا المجتمع؟ فتاة تضع حظها من الشباب تحت قدمها أمام رغبة رسول الله، وشاب حلمه الأكبر أن يتزوج، أن يتزوج أية امرأة، وكانت امرأته جميلة جداً، هذه المفارقة فآثر الجهاد، وأب سارع إلى إرضاء النبي، لو كان شبابنا وشاباتنا وأولياء الأمور بهذا المستوى ينبغي أن نملي إرادتنا على طغاة الأرض، مرة وزيرة زارت بلدنا الطيب، واستقبلها الوزير المماثل لها، ومعه كبار موظفي الوزارة، ويوجد رجل من كبار الموظفين متفوق جداً في اختصاصه لكنه ملتزم، والنبي عليه الصلاة والسلام قال:
((إني لا أصافح النساء))
[السيوطي عن أميمة بنت رقيقة ]
 ولم يصافحها، فغضبت غضباً لا حدود له، فالوزير انزعج منه قال له: كانت تأكلك لو صافحتها؟ هكذا أحرجتنا، فمنعه أن يأتي على طعام الغداء، كان ثمة حفل تكريم، هي سألت عنه: أين فلان؟ هناك موظف عندك لم يصافحني، أريد أن أراه، اطلبوه، فاضطر أن يدعى ثانيةً إلى الحفل، فسألته: لمَ لمْ تصافحني؟ فقال: أنا مسلم، وأنا ملتزم، ومن تعليمات ديننا العظيم أن نبينا عليه الصلاة والسلام لم يكن يصافح النساء، أو لم يكن يصافح امرأة أجنبية، وأنت بالنسبة إلي امرأة أجنبية، فقالت للوزير: لو أن المسلمين أمثال هؤلاء لكنا تحت حكمكم، أنا قست على ذلك لو أن شبابنا وشاباتنا وأولياء أمورنا بهذا المستوى من الالتزام والحب لأملينا إرادتنا على أعدائنا.
أول موقف من مواقف المؤمن في التعامل مع المعاق أن يكون شاكراً لله :
 إذاً أرأيت إلى هذا الأدب الجم مع المعاق، هذا الدميم معاق، الكفيف معاق، الأعرج معاق، أنا فيما أتصور لا يمكن أن يحس المعاق في مجتمع المسلمين أنه معاق هكذا والله إيماني، لا يمكن أن يحس المعاق بين المؤمنين أنه معاق، لأنهم يعاملونه كإنسان، يعاملونه كإنسان ذي كرامة في أعلى مستوى، أنا أعطيكم مثلاً من واقع المسلمين، أيام يكون في طفل جميل الصورة حركاته لطيفة جداً، وكلامه عذب، وطفل سبحان الله ظله ثقيل، وحركاته غير مقبولة، الأب المؤمن يعامل الاثنين معاملةً متساوية تماماً من حيث الاهتمام، من حيث تقبيله من حيث أن يضعه في حضنه من حيث الإصغاء له أبداً.
 أذكر في السيرة أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يضع الحسن على ركبته، وكان جميل الصورة، وكان شبيه رسول الله، ويضع ابن سيدنا زيد؛ أسامة بن زيد حب رسول الله، وكان أسود اللون أفطس الأنف على ركبته اليسرى، وكان يضمهما، ويشمهما، وقد سمى الصحابة أسامة بن زيد حب رسول الله، ما نظر النبي لا إلى اللون، عيونه كبار، الحمار عيونه كبار أيضاً، ما نظر النبي لا إلى عينيه ولا إلى لونه، نظر إلى إنسانيته.
 أحد علماء الشام توفي رحمه الله جاءه تلميذ قال له: أريد أن أتزوج، قال له: يا بني اخطب، قال له: اخطب لي أنت، قال له: يا بني هذا ليس عملي، فقال له: اخطب لي، قال له: ماذا تريدها؟ قال له: أريدها بيضاء، وعيونها كبار، قال له: حسناً، أعطني كيلوين قضامة، وأدخله على زريبة فيها حمارة بيضاء.
 يجب أن يكون مقياسنا في التعامل مقياسا إسلامياً، طفل أجمل من طفل، الوظيفة، يوجد موظف معاق يجب أن تعامله كأنه تام.
مواقف للمؤمن في التعامل مع المعاق :
1 ـ أول موقف أن يكون المؤمن شاكراً لله فيما بينه وبين الله :
 فأول موقف من مواقف المؤمن في التعامل مع المعاق أن يكون شاكراً لله فيما بينه وبين الله، لأن سيدنا زكريا:
﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً ﴾
[ سورة مريم: 3 ]
 دون أن تتحرك شفتاك، الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيراً من خلقه، هناك أناس فقدوا أحد أطرافهم، يوجد أناس عندهم عاهات صعبة جداً، وتراه صابراً راضياً عن الله عز وجل، فإذا أنت ذكرته بعاهته، أو ابتعدت عنه لعاهته سقطت من عين الله، فالمعاق يجب أن يعامل أرقى معاملة المعاق، يجب أن ينسى في مجتمع المؤمنين أنه معاق.
 أبو سفيان يقف في باب عمر فلا يؤذن له، سيد قريش، وبلال وصهيب يدخلون بلا استئذان، فلما دخل عليه أبو سفيان عاتبه قال له: أبو سفيان يقف ببابك وبلال وصهيب يدخلان بلا استئذان، فقال له عمر: أنت مثلهما؟ حينما كان يعذبان في سبيل الله أين كنت أنت؟ كنت مع المعذِّبين.
 لذلك أخوانا الكرام، لا أتصور معلم مدرسة، والله الذي لا إله إلا هو قد يقول معلم لطالب: أنت غبي، فتنشأ عنده عقدة ترافقه حتى الموت:
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْساً يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفاً فِي النَّارِ))
[متفق عليه عن أبي هريرة]
 السيدة عائشة وصفت السيدة صفية رضوان الله عليهما بأنها قصيرة ، فقال عليه الصلاة والسلام :
(( يا عائِشَة لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْه ))
[ رواه أبو داود والترمذي عن عائشة رضي اللّه عنها ]
 فأول أدب من آداب التعامل مع المعاق أن تشكر الله عز وجل دون أن تسمعه كلمة بينك وبين الله، الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيراً من خلقه.
2 ـ الشيء الثاني أن تهتم به الاهتمام المعتدل:
 الشيء الثاني أن تهتم به الاهتمام المعتدل، الاهتمام الطبيعي، هناك اهتمام يلفت النظر غير معقول، شدة الاهتمام تذكره بعاهته، وهناك إهمال يلفت النظر، ينبغي أن تهتم به كما كان صحيحاً، ينبغي أن تصغي إلى سؤاله أساساً، ما رأيت عالماً عند الله مقرباً إلا يهتم بأي سؤال، هناك جبابرة العلماء إذا السؤال غير جيد يسمع تهكم، يتهكم تهكم يحطم السائل، أنا أذكر هذا في التعليم، أحياناً طالب ضعيف في مادة، ضعيف جداً، يقول له: اجلس أنت لا تفهم، حطمته، هذا كيف علاجه؟ تعطيه سؤال سهل جداً فأجاب تقول له: بارك الله بك جيد هذا ستين، سبعين، أنت أنعشته لما جئت له بسؤال سهل فأجاب عليه وأثنيت عليه أعطيته مكانة، الإنسان يعيش بكرامته، هذا الذي يدير صف أو يدير مجموعة إذا عامل المتخلفين أو المعاقين معاملة خاصة فيها ازدراء أو فيها إهمال، أنا لا أبالغ، ولم أكن متجنياً عليهم حينما أقول: هذا العمل يشبه الجريمة، لأنه يحطم نفسية إنسان إلى أمد طويل، وأكثر عقد الطلاب أحياناً من مدرسيهم في التعليم الابتدائي والإعدادي، مدرس قاسي جاهل أي مرتزق، أنا لا أرى في التعليم إلا أن تكون صاحب رسالة، ما من حرفة أشرف في الأرض من التعليم لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال:
(( وإنما بعثت معلماً ))
[أخرجه الحارث عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]
(( إنما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ حُسْنَ الأخلاقِ ))
[أخرجه مالك عن بلاغ مالك ]
 تعريف جامع مانع: إنما بعثت معلماً إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، وقال عليه الصلاة والسلام:
((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ))
[ الترمذي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ]
 فالمعلم ينبغي أن يتواضع لمن يعلم، ينبغي أن يصغي لسؤاله، مثلاً سيدنا حنظلة جالس في الطريق يبكي مر به سيدنا الصديق قال له: مالك يا حنظلة؟ قال له: نافق حنظلة. كم إنسان يشكو لك همه، يشكو لك ابنه، الحمد لله عندي ولد ملائكة. هذا سوء أدب، شكا لك زوجته، عندي زوجة صديقة، لا، يجب أن تخفف عليه مصابه، قال له سيدنا الصديق: أنا كذلك يا أخي أنا مثلك انطلق بنا إلى رسول الله. ما هذا الأدب؟ ما جعله يستوحش جعله يستأنس، أنا كذلك يا أخي، النبي الكريم قال: أما أنتم يا أخي فساعة وساعة أما نحن معاشر الأنبياء تنام أعيننا، ولا تنام قلوبنا، لو بقيتم على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة، ولزارتكم في بيوتكم:
((والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفى الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفى طرقكم ، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة))
[مسلم عن حنظلة بن الربيع]
علينا أن نحترم المعاق كإنسان وكمؤمن :
 أول بند أن تحمد الله فيما بينك وبينه على أن عافاك مما ابتلى به كثيراً من خلقه، أنا أنصح أخواننا من حين إلى آخر أن يطَّلع على مستوى حياة مَن هو أقل منه بكثير، كنت مرةً في تركيا أخ كريم أحبه زرته فإذا أهل زوجته من كبار الأغنياء قلت له: أين عمك؟ قال: في منتجع على البحر الأسود، هو تزوج ابنته، وهذه البنت همها الأول أن يكون زوجها طالب علم شرعي، فقبلته على فقره، قلت: والله هذه بطلة، هذه امرأة كبيرة عند الله عز وجل، كبيرة جداً آثرت أن يكون زوجها طالب علم شرعي، مع أنه كان بإمكانها أن تقترن بأغنى شباب تركيا، لكن آثرت العلم الشرعي، ورضيت بحياة متقشفة خشنة، لأن زوجها مؤمن، فالمرأة تشبه الرجل تماماً، هناك امرأة تريد أن ترضي الله عز وجل، فتضع حظها من الشباب تحت قدمها في سبيل مرضاة الله عز وجل. الحمد لله على أن عافاني مما ابتلى كثيراً من خلقه دون أن تسمعه.
 العنصر الثاني أن تهتم به، عدم الاهتمام سلوك تعاتب عليه، أحياناً إنسان يجلس بجلسة عينه على واحد فقط يكون فتح ويهمل الباقين، من آداب المحدثين الإنسان ينقل بصره بين كل أخوانه بين كل مستمعيه هذا التنقل يشد اهتمام الناس إليه.
 أنا لي مقالة: كيف تؤثر بالآخرين؟ يوجد قواعد علمية إذا حدثت الناس كيف توزع نظرك على كل وجوههم، وكيف تهتم بهم، وكيف يكون الوقت معقولاً، قواعد علمية رائعة جداً في فن التأثير بالآخرين.
 شيء آخر هو أن تحترمه كإنسان وكمؤمن، والاحترام المتبادل علامة إيمانك، النبي عليه الصلاة والسلام سأله يمكن أحد أقل أصحابه شأناً اسمه ذو اليدين صلى النبي ركعتين صلاة الظهر قال له: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال له: كل هذا لم يكن باهتمام بالغ، قال له: بعضه قد كان.
 هؤلاء العظماء أيها الأخوة أحد جوانب عظمتهم أنك إن رأيتهم هبتهم وإن عاملتهم أحببتهم، إن رأيتهم من بعيد هبتهم، لهم هيبة كبيرة، إذا احتككت بهم، إذا عاملتهم أحببتهم، متواضعون.
 من خصائص النبي عليه الصلاة والسلام، ويجب أن يقلده كل إنسان أنه ما من إنسان التقى به إلا ظن أنه أقرب الناس إليه، ما من واحد من أصحابه التقى بالنبي عليه الصلاة والسلام إلا ظن أنه أقرب الناس إليه، معنى ذلك كان يوزع اهتمامه على كل أصحابه، يوزع ابتسامته على كل أصحابه، يوزع بشر وجهه على كل أصحابه، يوزع عطفه على كل أصحابه، يوزع رعايته على كل أصحابه، فلذلك الدعوة إلى الله تحتاج إلى حكمة بالغة وكل واحد منكم داعية إلى الله.
الإنسان ممتحن فيما أوتي وممتحن فيما زوي عنه :
 الاحترام ينبغي أن يكون سلوكاً واضحاً في التعامل مع المعاقين، ولحكمة أرادها الله هذا الذي تراه معاقاً يعوض الله عليه في أشياء أخرى، فتجد ذاكرته قويةً جداً، والله عندي كان طالب كفيف البصر في الصف العاشر، التقيت به بعد سنوات عدة في الجامعة حينما تجولت في القاعة، سلم علي باسمي مباشرةً، عندي كان طالب كفيف بكلية التربية في امتحان عملي يلقي هذا الطالب درساً على طلابه كتدريب وامتحان، أنا حضرت درسه والله يتجول بين الطلاب إذا وصل إلى الحائط قبل خمسة سنتمترات يرجع، أنا اندهشت كأن معه رادار، الشيء الثاني فلان تكلم يشير إلى الطالب، وكأنه يراهم واحداً وَاحداً، فهذا الذي فقد بصره الله عز وجل كرماً منه ورحمة يعوضه بقدرات فائقة جداً في جهة أخرى، فكل إنسان الله سلب منه شيئاً عوضه أشياء كثيرة، والله التقيت بكفيف قبل أسابيع ورجل صالح يخطب في جامع بحمص، وصار هناك ود بيننا، وذكر لي قلت له: والله في هذه الأيام العصيبة في أيام الفتن والنساء الكاسيات والعاريات، والله لعل بعدك عن هذه المناظر من نعم الله الكبرى، العين الآن مشكلة كبيرة، منفذ للمعصية، الله عافاه من كل معاصي العين لكن اسألوا الله العافية، لا أحد يطلب من الله أن يفقد بصره حتى لا يرى النساء، لا، هذا خطأ، قال له صلى الله عليه وسلم بأدب لا يعلوه أدب: اللهم إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى لكن عافيتك أوسع لي.
 أنت حينما تؤمن أن الدنيا مؤقتة والآخرة أبدية، هذا حُرِم نعمة البصر في الدنيا فقط وقد تكون بصيرته في أعلى مستوى، ثمة خطباء بمصر تركوا أثراً في العالم كله في القارات كلها، وهو كفيف البصر، الله عز وجل إذا سلب شيء، أنا الذي أقوله دائماً إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي.
 إذا كان رجلان عاشا ستين عاماً بالتساوي واحد حاد البصر، والآخر كفيف البصر، الحاد البصر رسب في نعمة البصر فملأ عينيه من الحرام، وكفيف البصر نجح في هذا الامتحان فرضي عن الله وصبر، وماتا، واحد في الجنة إلى أبد الآبدين والآخر في النار إلى أبد الآبدين، فأيهما أنجح عند الله؟ من امتحن فصبر، أنت ممتحن فيما أعطاك الله ممتحن فيما زوى عنك، خذها قاعدة الذي آتاك الله إياه أنت ممتحن به، والذي حرمك منه أنت ممتحن به، ممتحن فيما أوتيت، وممتحن فيما زوي عنك.
 اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله عوناً لي فيما تحب وما زويت عني ما أحب فاجعله فراغاً لي فيما تحب.
من الأدب أن تحسن الظن بأخيك المعاق
 الشيء الثاني الأدب الأخير أن تحسن الظن بأخيك، يوجد أناس كلامهم غليظ كلامهم قاس، ويوجد أمثال الله وكيلكم ما أنزل الله بها من سلطان، أمثال شيطانية فيها تجبر، أنت ابتعد عن هذه الأمثال التي يتناقلها العوام، ولو عرفوا معناها لعوتبوا عتاباً شديداً، هناك إنسان فجّ أرعن يقول لك: إذا ما فعل شيء الله لا يبتليه، لعل هذا ترقية عند الله، صحابة كرام فقدوا أبصارهم يعني لحكمة أرادها الله ما من مشكلة خطيرة في مجتمعنا إلا وابتلى الله بها نبينا، سيدنا لوط زوجته كافرة فإذا رجل زوجته غير جيدة، سيدنا نوح ابنه كافر، سيدنا إبراهيم أبوه، سيدنا زكريا لا ينجب، السيدة عائشة اتهمت في عفتها، النبي الكريم مات ابنه إبراهيم قال:
((إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ))
[ متفق عليه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
 أي تقريباً الفقير، النبي ذاق الفقر، هل عندكم شيء؟ قالوا: لا، قال: فإني صائم، الغني، النبي ذاق الغنى، لمن هذا الوادي؟ قال: هو لك، قال: أشهد أنك رسول الله، النبي ذاق القهر في الطائف، ذاق النصر في فتح مكة، ذاق موت الولد، ذاق تطليق البنت، طلقت ابنته وهو سيد الخلق، ثم ذاق زوجات متعبات، كان من الممكن أن تكون زوجاته دمى كلهن، أي شكل رائع مستسلمات وإن تظاهرا عليه، أي يوجد مشاكل داخلية في البيت، يوجد مشكلات، لو لم يوجد عنده مشكلة أسرية النبي لم يكن قدوة لنا، عنده مشكلة في البيت، جاءها صحن من الطعام اللذيذ من السيدة صفية، السيدة عائشة أصابتها الغيرة فرمته أرضاً، وكسرته، فقال النبي: غضبت أمكم، غضبت أمكم، أي بالتعبير المعاصر احتواها، استوعبها، كان من الممكن أن يعمل شيئاً لم يفعله أحد، قال: غضبت أمكم، غضبت أمكم، فذاق النبي غيرة النساء، وذاق مشكلات أسرية، وذاق موت الولد، وذاق الهجرة، وذاق الفقر، وذاق القهر، وذاق النصر، وذاق الغنى، أي كل شيء ذاقه، لذلك قال الله عز وجل:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾
[ سورة الأحزاب: 21]
 أخ يسأل سؤالاً فقهياً: إذا كنت في مسجد، وأذن مؤذن هل لي أن أخرج إلى مسجد آخر؟
 الحقيقة الخروج من المسجد بعد الآذان فيه مخالفة شرعية، العلماء استثنوا إمام مسجد آخر، أذن هو يحضر درس علم فرضاً، ينتهي عند العشاء، وهو إمام بجامع آخر في العشاء هذا إنسان معذور ينبغي أن يذكر بأنه معذور، أما أن يخرج من دون سبب ليس مقبولاً.
والحمد لله رب العالمين

قادة الناس رجلان عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة :


في حديث ابن مسعود
((المتقون سادة, والفقهاء قادة, ومجالستهم زيادة))
[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير عن عبد الله بن مسعود]
المتقون هم الذين اتقوا الله عز وجل فكانوا سادة؛ أي هيمنوا على أنفسهم, وملكوا أمرهم, فسعدوا في دنياهم وأخراهم.
((المتقون سادة, والفقهاء قادة, ومجالستهم زيادة))
[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير عن عبد الله بن مسعود]
قادة الناس رجلان: عالم رباني, ومتعلم على سبيل نجاة, وهمج رعاع أتباع كل ناعق؛ لم يستضيئوا بنور العلم, ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق, فاحذر أن تكون منهم.
هناك إنسان عالم رباني, و متعلم يبغي النجاة, ولا خير فيمن سواهما.
الناس رجلان: عالم, ومتعلم, ولا خير فيمن سواهما، فالشيء الذي يؤكد إنسانية الإنسان هو طلب العلم, والعالم والمتعلم في الأجر سواء، أي شأن المتعلم لا يقل عن شأن المعلم أبداً, كلاهما يبغي الخير؛ إنسان يعطي مما أعطاه الله, وإنسان يأخذ مما تفضل الله عليه.
فالناس رجلان: عالم ومتعلم ولا خير فيمن سواهما, وعالم رباني, ومتعلم على سبيل نجاة, وهمج رعاع أتباع كل ناعق، ويعبرون عنه الآن بالخط العريض, يقول لك: الشارع العربي مع كل صرعة, مع كل تقليد أعمى, مع كل شيء, يقلد من دون تفكير.
بطولة الإنسان أن يحتل مركزاً مستمراً في الآخرة :
المتقون سادة، والسيادة الحقيقية أن تصل إلى مكان, وأن تحافظ عليه, فالدنيا مراتب؛ لكن يأتي الموت يأخذ منك كل شيء.
فالبطولة أن تحتل مركزاً مستمراً, هذا في الآخرة, في الدنيا مراتب, الدنيا إلى زوال:
﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾
[سورة الإسراء الآية:21]
هناك قصة جرت معي, اضطررت أن أدخل إلى بيت إنسان بعمل, قضية استلام عقد، بيت من أرقى أحياء دمشق, مساحته ألف وأربعمئة متر, بدأ يصف لي: البلاط إيطالي استورده بالطائرة, والأثاث من فرنسا، أي بالغ مبالغة كبيرة في وصف ما في البيت من أثاث, وإطلالة البيت, وكيف اشترى البيت، قلت: والله يجب أن أقدم له نصيحة, قلت له: ما قولك في هذا البيت وبيت مساحته تقدر بستين متراً تحت الأرض في أحد أحياء دمشق الفقيرة في أطراف المدينة؟ وازن بينهما؟ قال لي: لا يوجد نسبة, قلت له: وازن بين رئيس أركان وبين جندي؟ قال لي: لا يوجد نسبة, بين أستاذ جامعة ومعلم ابتدائي في قرية؟ لا يوجد نسبة, بين رئيس غرفة تجارة وبين بائع متجول؟ لا يوجد نسبة, ذكرت مهناً كثيرة, المفارقات حادة, قلت له:
﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾
[سورة الإسراء الآية:21]
لا يتساوى ممرض مع جراح قلب, يأخذ على العملية مئتي ألف في خمس ساعات, وممرض؛ مع القيء, ومع الضمادات, والتنظيف, والتعب, والمعاش الذي لا يكفي ليومين, وازن بين معلم في قرية في آخر الدنيا, يركب من باص لباص, ويحمل طعامه, وينتظر، وبين أستاذ جامعة دوامه خمس ساعات, عنده كرسي، وازن كل هذا.
قلت له: مراتب الدنيا لا تعني شيئاً, بل تعني أحياناً العكس, لكن مراتب الآخرة ثابتة. فحتى تكون سيداً حقيقياً احتل عند الله مرتبة ثابتة.
((المتقون سادة, والعلماء قادة - إنسان يدلك على الله عز وجل, يدلك على طريق سعادتك, يدلك على منهج الله عز وجل, إذا طبقت فهنيئاً لك, وإذا لم تطبق فالويل لك, و عليك أن تأخذ هذه التوجيهات, وهذه الآيات, وأن تطبقها- ومجالستهم زيادة))
القرآن الكريم يُفهم وفق لغة العرب و قواعدها :
هناك نقطة ثانية: الله عز وجل يقول:
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾
[سورة فاطر الآية:28]
كيف نقرأ القرآن
نحن نقرأ القرآن الكريم؛ لكن ليس قراءة تدقيق, قراءة تبرك أحياناً, أخي العلم ضروري, لكن هذه الآية لو وقفت عند دقائقها: العلماء وحدهم, ولا أحد سواهم يخشى الله, هكذا سياق الآية، فاللغة العربية مهمة جداً في فهم القرآن الكريم؛ لأن الله عز وجل جعل هذا القرآن عربياً قال:
﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾
[سورة الشعراء الآية:195]
واللغة اصطلاحاً أي أنا من غير المعقول أن أقول لإنسان: أريد أن أشرب, يأتيني بطعام!! إذا لم تكن كلمة أشرب مصطلحاً بين كل أهل اللغة فليس لها معنى, قيمة اللغة أنها مصطلح. فكل إنسان يحاول أن يفهم اللغة فهماً خاصاً, يعمل تأويلات ما أنزل الله بها من سلطان, يتناقض هذا مع مهمة اللغة.
الله عز وجل قال:
﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾
[سورة الشعراء الآية:195]
فالقرآن يُفهم وفق لغة العرب, وفق قواعد هذه اللغة.
من أراد أن يكون خاشياً لله فليسلك طريق العلم :
إنما في اللغة أداة قصر وحصر، فإذا قلت: شوقي شاعر, أي شوقي ليس له عمل آخر غير الشعر, إذا قلت: إنما الشاعر شوقي اختلف المعنى, أي لا يوجد شاعر في الأرض إلا شوقي, كل ما سواه ليس بشاعر, هذا مثل يأتون به في كتب البلاغة. فإنما أداة قصر وحصر:
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾
[سورة فاطر الآية:28]
العلماء وحدهم, ولا أحد سواهم يخشى الله, فإن أردت أن تكون خاشياً لله فاسلك طريق العلم.
أنا أتمنى أن تقول: طالب علم, كلمة عالم كبيرة جداً, لا تليق بإنسان, الإنسان أصغر منها, ويظل المرء عالماً ما طلب العلم, فإذا ظنّ أنه قد علم فقد جهل, أنت طالب علم, أي في أعلى مرتبة، والله سمعت كلمات كثيرة من بعض الأخوة الدعاة, يقول لك: أسعد بهذه الكلمة, هي أدب عال, قل: طالب علم لا تقل عالماً. 
مرة إنسان ألف كتاباً, أحد علماء دمشق - كلمة كبيرة فوق مستوى الإنسان- قل: أنا طالب علم؛ فطالب العلم هو الذي يخشى الله عز وجل.
فالإنسان منضبط بلسانه, بحركاته, بسكناته, بكسبه للمال, الانضباط دليل علمه, والعلم في النهاية يحمله على طاعة الله, وهو لا يشعر, و قد سمى العلماء هذا الأثر التراكمي.
الإنسان أحياناً يأكل طعاماً فيه هرمونات, فإن أكل هذا الطعام مرة واحدة فلابأس، أما إن أدمن عليه فيصبح عنده أثر تراكمي, ينشأ عنده ورم خبيث, طبعاً هذا مثل سيئ.
أنا أردت من ذلك أن الإنسان إذا أراد أن يطلب العلم, ينشأ عنده أثر تراكمي, قناعات, قناعات, بعد ذلك أصبح يمشي بشكل صحيح، كلامه مضبوط, حركته مضبوطة, سمعه مضبوط.
طلب العلم يعطي الإنسان موقعه الحقيقي بين المؤمنين :
لذلك الله عز وجل يقول:
﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾
[سورة الحجرات الآية:13]
العلم دليلنا في الحياة
المرتبة العالية تحصّلها بطلب العلم, والآن لا يوجد حل ثان, الإنسان يحب نفسه, يحب وجوده, الذي يجعله يسلك الطريق الصحيح هو العلم.
لذلك يقولون: أول خطوة في حل المشكلة أن تعلم أنها مشكلة.
أول خطوة في التوبة: أن تطلب العلم, أن تعرف نفسك مذنباً.
الآن: مشكلة العوام أن الإنسان منهم يغرق في مليون معصية, يقول لك: إيماني في قلبي, أكثر كلمة يقولها الناس: إيماني في قلبي, لا يطبق شيئاً في الدين, ويدّعي أن إيمانه في قلبه, وكل شيء يفعله طبيعي, ويغرق في المعاصي والآثام, و هذا نتيجة نقص العلم، فلا بد من طلب العلم, لأن طلب العلم يعطي الإنسان موقعه.
نحن كنا نتحدث عن الحكمة في الدروس السابقة, الآن: طلب العلم, طلب العلم يعطيك موقعك الحقيقي بين المؤمنين, لذلك الله عز وجل قال:
﴿سَابِقُوا﴾
[سورة الحديد الآية:21]
وقال:
﴿وَسَارِعُوا﴾
[سورة آل عمران الآية:133]
أمر الهي, وكل أمر في القران يقتضي الوجوب.
هناك إنسان يسارع, أو يسابق لوحده ضمن مجموعة, معنى هذا أن الجماعة رحمة, والفرقة عذاب, عندما تكون مع مجموع؛ تكون في أنس, في منافسة شريفة, في غيرة.
المنافسة التي يتمتع بها الإنسان حيادية قد تُستخدم في الخير وقد تستخدم في الشر :
في الإنسان صفة من كل ثقافة العوام, أو ثقافة الناس، ثقافة مادية بالجسم, أما النفس فلها خصيصة, لها طبع, ولها فطرة, أحد خصائص النفس أنها...أنا محتار في التسمية؛ تسميها غيرة, تسميها منافسة, سمِّها ما شئت.
مثلاً إذا رأيت إنساناً أغنى منك, تتمنى أن تكون مثله, إن رأيت إنساناً أعلم منك, تتمنى أن تنافسه, تكون مثله, إن رأيت إنساناً أتقى منك, تتمنى أن تكون مثله, هذه خصيصة بالنفس –غيرة- الله عز وجل فطر النفس هكذا.
الخصيصة هذه حيادية؛ قد تُستخدم في الخير, وقد تستخدم في الشر, إن استخدمت في الشر كانت الحسد, وإن استخدمت في الخير كانت الغبطة, الخصيصة حيادية, أنت مجبول هكذا, لا تتحمل أن يكون أحد أفضل منك, تحب أن تكون أفضل الناس.
الآن ما يجري بين الناس من منافسات, ومن بغي, ومن عدوان, ومن شقاء, ومن بغضاء، سببه الحسد:
﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾
[سورة آل عمران الآية:19]
الخصيصة هي خصيصة المنافسة, والغيرة, والتفوق, الخصيصة هذه حيادية خام, ما معنى خام؟ مثلاً السكينة - هذه السكينة حيادية - يمكن أن تقطع بها الطعام, ويمكن أن تذبح بها إنساناً، فالإنسان إذا استخدم الخصيصة في التنافس على الآخرة, هذه أصبحت فضيلة, أحد أسباب سعادته وتفوقه هذه الخصيصة, وإن استخدمها في الدنيا صار حسوداً, وبغى, واعتدى.
﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾
[سورة الحجرات الآية:13]
والآية الكريمة:
﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾
[سورة الفرقان الآية:74]
الدعاء أن تكون أوليَّاً, ومتفوقاً.
تجد الإنسان في أمور الآخرة زاهداً جداً, في الدنيا طموح؛ يريد أعلى مرتبة, أعلى دخل, أعلى شهادة, وأجمل زوجة, وأكبر بيت, وأفضل سيارة, كل الناس هكذا، ماذا فعلوا؟ طبقوا هذه الخصيصة في الدنيا, فتنافسوا، مثلما قلت سابقاً: السباق في الدنيا مضحك، مثلاً طريق فيه ألف سيارة متسابقة, أنواع متنوعة, في النهاية وقعت أغلى سيارة في المنحدر فنزلت ودمرت, وأرخص سيارة نزلت, وأجمل سيارة نزلت, وأقدم سيارة نزلت, وأبطأ سيارة نزلت, هذا سباق الدنيا, يأتي الموت ينهي كل شيء؛ الغني تجده قد مات, أصبح تراباً, والفقير مات, والمتفوق مات, والذي يحمل أعلى شهادة مات.
فلو كان التنافس في الدنيا فهو حمق؛ المصير لا معنى له, المصير واحد للجميع, لا يوجد حوار, هناك هلاك, المصير واحد لكل المتسابقين.
الطرائق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق :
لذلك:
﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾
[سورة الفرقان الآية:74]
ابتغوا الرفعة عند الله, المؤمن دائماً يبحث عن مرتبة في الآخرة:
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ﴾
[سورة القمر الآية:54]
﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾
[سورة القمر الآية:55]
الطرائق إلى الله بعدد أنفاس الخلق
سبحان الله! هناك معنى دقيق جداً: إن ملوك الأرض لا يوجد لهم طريق, لا تستطيع أن تقابل ملكاً, ولا بسنة, ولا بخمس سنوات, أما ملك الملوك وهو الله عز وجل, هو من محبته لعباده جعل لهم مليون طريق, الطرائق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق, كيفما تحركت تجد الطريق إلى الله عز وجل؛ إذا غضضت بصرك فهذا طريق إلى الله عز وجل, تنفق مالك طريق، تربي ابنك طريق, تعتني بزوجتك طريق, تخلص بعملك طريق, تتقن عملك طريق, تنصح المسلمين طريق, تدعو إلى الله طريق, تطلب العلم طريق، فلذلك الله عز وجل قال:
﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾
[سورة الفرقان الآية:74]
أكثر الناس يقول لك: أريد وراء الباب, أريد الجنة وراء الباب, لا, اطلب أعلى مرتبة في الجنة, اطلب أن تكون إماماً للمتقين, هذا الطموح, أما الطموح في الدنيا فليس له معنى،
ترى أثرياء العالم, تسمع أحياناً قصصهم؛ مات في اليخت, مات في البحر, تجده مات ميتةً بشعةً, قذرةً, وهو في معصية, وهو في متعة، وانتهى؛ كل الغنى, وكل الثروات الطائلة، انتهت إلى لا شيء, أما الإنسان إذا سلك طريق الإيمان فلا يوجد عنده خط بياني نازل, كله صاعد, حتى لو مات.
أصل الدين معرفة الله :
الآن: أصحاب رسول الله، أعلام الأمة الأبطال, لم يموتوا, يُذكرون كل يوم ملايين المرات, ذكرهم مستمر.
قال له: "يا بني! مات خزان المال وهم أحياء, والعلماء باقون ما بقي الدهر؛ أعيانهم مفقودة, وأمثالهم في القلوب موجودة".
سئل عبد الله بن المبارك: "من الناس؟ قال: العلماء, قيل: فمن الكبراء من الناس؟ قال: الحكماء, قيل: فمن الملوك؟ قال: الجهال, قيل: فمن السفلة؟ قال: من أكل دنياه بآخرته" أي من حقق الدنيا, وخسر الآخرة، وهناك وسائل كثيرة جداً لكسب المال.
وقد كان أحمد بن حنبل- رضي الله عنه- كثيراً ما يأتي إلى معروف الكرخي, فقال له ابنه ذات يوم: يا أبتاه, إنك تكثر الجلوس مع معروف, -أحمد بن حنبل من كبار العلماء- فهل عنده علم أو وقع إليه إسناد لم يقع إليك؟ قال:" يا بني! عنده أصل الدين, ومخ علوم التقى والحكمة".
السلف الصالح فرّق بين تفاصيل الدين -الأحكام الشرعية- وبين مخ الدين, وأصل الدين أن تعرف الله, وأن تعرف منهجه التفصيلي, هذا من فروع الدين؛ و هناك علماء متفوقون بفروع الدين, و علماء متفوقون بأصول الدين، فكان يقول: "يا بني! عنده أصل الدين, ومخ علوم التقى والحكمة".
و الشافعي -رضي الله عنه- كان إذا اشتبهت عليه مسألة في الفقه, فلم يجد لها دليلاً في الكتاب والسنة, دخل على شيبان الراعي, وقال له: "يا أبا محمد! كيف ترى في هذا؟ ويجلس بين يديه, فيكشف له ما اشتبه عليه من المسالة".
التواضع في العلم :
هناك أشياء لطيفة مؤداها أن العلم بالله شيء ثمين جداً, وهناك درجة أخرى: العلم بمنهجه، أي الدين واسع جداً, لا أحد ينافس أحد, كل إنسان تفوق بشيء.
وأنا أقول كلمة لو طبقها علماء الدين لسعدوا, وسعد الناس, هم متكاملون, كل إنسان: الله عز وجل آتاه شيئاً.
مرة قال لي شخص كلمة أعجبتني، قال لي: كل إنسان ألبسه الله ثوباً, لا يستطيع أن يخلعه, ولا يليق على غيره, هذا تفوق في فهم النص, هذا تفوق في استنباط الأحكام الشرعية, هذا تفوق في علم التجريب, هذا تفوق في علم العقيدة, هذا تفوق في علم الحديث, هذا تفوق في أصول الدعوة, وهكذا.
يُروى أن علي بن دينار -رحمه الله- اشتبهت عليه مسألة, فاتجه إلى قاضي خراسان, فجلس بين يديه, ثم قال: إني أريد أن أسالك عن مسألة, قال له: تركت العلماء من أصحابك وجئت تسألني؟ فأجابه: مثلي ومثلك كمثل ملك ضلّ في البرية, فهل يسأل في الطريق ملكاً مثله أم راعياً!؟.
أحياناً: يكون الإنسان خبيراً في قضية, التواضع في العلم مفيد جداً, يمكن أن يكون هناك شخص أدنى منك مرتبة لكن في موضوع ما أعلم منك, قضية الكبر في العلم, المتكبر والمستحي لا يتعلمان, فلا بد من التواضع.
والله عز وجل أمر سيدنا موسى أن يلزم الخضر, وأن يتعلم منه, فلذلك الإنسان بالعلم لا يوجد أحد أفضل من أحد, يمكن أن يكون هناك قضية أنت لست متفوقاً فيها, وغيرك متفوق.
تجد هذا عند الأطباء، أحياناً الطبيب إذا كان مخلصاً, وجاءته حالة مستعصية, و هو يعرف أن زميله أفضل منه, يحيله إلى زميله, أو يسأله بالهاتف, فتسأل باستمرار, هذا شيء يرفع من قدرك, أما إن استغنيت عن كل الناس و توهمت أنك تعلم كل شيء, فهذا سلوك يتنافى مع العلم الدقيق, العالم يسأل, ويأخذ رأي الآخرين.
يقول الجنيد -رحمه الله تعالى-: "لو أن العلم الذي أتكلم به من عندي لنفذ وانقطع؛ ولكنه من حق بدأ, وإلى حق يعود".
والحمد لله رب العالمين

قيمة الوقت في حياة الإنسان


بسم الله الرحمن الرحيم
الطريق إلى جنة الخلد
في القرآن الكريم سورةٌ قصيرةٌ ، كان الرَّجلانِ مِن أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا الْتَقَيَا لم يتفرَّقا حتى يتلوَ أحدُهما على الآخر هذه السورة ، وكان الإمامُ الشافعيُّ رحمه الله تعالى يقول :
(لو تدبَّر الناسُ هذه السورة لَكَفَتْهُم )
[تفسير ابن كثير (4/548)]
هذه السورةُ ترسمُ منهجًا كاملاً للحياة البشرية ، كما يريدُها خالقَ البشرية ، فعلى امتدادِ الزمانِ في جميعِ العصور ، وعلى امتدادِ المكانِ في جميع الدهور ، ليسَ أمامَ الإنسانِ إلا منهجٌ واحدٌ رابحٌ ، وطريق واحد سالك إلى جنةِ الخُلدِ ، وكلُّ ما وراء ذلك ضياعٌ ، وخسارةٌ ، وشقاء ، إنها سورة العصر ، قال تعالى :
]وَالْعَصْرِ*إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ[
[سورة العصر : الآية 1-2]
استثمار الوقت
لقد أَقْسمَ اللهُ جلّ جلالُه بمطلق الزمن ، العصر ، لهذا الإنسانِ الذي هو في حقيقته زمنٌ ، فهو بِضْعَةُ أيام ، كلما انقضى يومٌ انقضى بِضْعٌ منه ، وما مِن يوم ينشقُّ فجرُه إلا وينادي : يا ابن آدم ، أنا خلقٌ جديدٌ ، وعلى عملِك شهيدٌ ، فتزوَّدْ منِّي ، فإني لا أعود إلى يوم القيامة .
لقد أقسمَ اللهُ بالزمن للإنسان أنّه في خُسرٍ ، بمعنى أنَّ مُضِيَّ الزمنِ وحدَه يستهلكُ عُمُرَ الإنسان الذي هو رأسُ ماله ، ووعاءُ عملِه الصالحِ ، الذي هو ثمنُ الجنة التي وَعَدَه اللهُ بها .
هلِ الخسارةُ في العُرْفِ التِّجاريِّ إلا أنْ تُضَيِّعَ رأسَ مالِكَ مِن دون تحقيقِ الربحِ المطلوب ، لكنّ الإنسانَ إذا استثْمرَ الوقتَ فيما خُلِقَ له ، يستطيع أنْ يتلافَى هذه الخسارةَ ، وذلك بالإيمانِ ، والعملِ الصالحِ ، والتواصي بالحقِّ ، والتواصي بالصّبرِ .
قال تعالى :
]وَالْعَصْرِ*إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ*إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[
[سورة العصر : الآية 1-3]
أولاً : الإيمان ،
]إلاّ الَّذِينَ آمَنُوا[
إنّ الإيمانَ هو اتصالُ هذا الكائنِ الإنسانيّ الصغيرِ ، الضعيف الفاني ، المحدود ، بالأصل المطلقِ الأزليّ الباقي ، الذي صدرَ عنه هذا الوجودُ ، وعندئذٍ ينطلقُ هذا الإنسانُ من حدود ذاته الصغيرة ، إلى رحابةِ الكون الكبير ، مِن حدودِ قوته الهزلية ، إلى عظمة الطاقات الكونية المخبوءة ، من حدود عمره القصير ، إلى امتدادِ الآبادِ التي لا يعلمُها إلا اللهُ ، هذا الاتصالُ فضلاً على أنه يمنحُ الإنسانَ القوةَ ، والامتدادَ ، والانطلاقَ ، فإنه يمنحُه السعادةَ الحقيقيةَ التي يَلْهَثُ وراءها الإنسانُ ، وهي سعادةٌ رفيعةٌ ، وفرحٌ نفيسٌ ، وأُنْسٌ بالحياةِ ، كَأُنْسِ الحبيبِ بحبيبِه ، وهو كَسْبٌ لا يعدِلُه كسبٌ ، وفقدانُه خسرانٌ لا يعدِله خسرانٌ ، وعبادةُ إلٍه واحدٍ ترفعُ الإنسانَ عن العبوديةِ لسواه ، فلا يذلّ لأحد ، ولا يحني رأسَه لغير الواحد القهار ، فليس هناك إلا قوةٌ واحدةٌ ، ومعبودٌ واحدٌ ، وعندئذٍ تنتفي مِن حياةِ الإنسانِ المصلحةُ ، والهوى ، ليحلّ محلَّها الشريعةُ والعدلُ .
والاعتقادُ بكرامةِ الإنسانِ ، وهو مِن لوازمِ الإيمانِ ، الاعتقاد بكرامة الإنسان عند الله يرفع من قيمته في نظر نفسه ، ويثيرُ في نفْسهِ الحياءَ ، مِنَ التّدنِّي عنِ المرتبةِ التي رَفَعَهُ اللهُ إليها .
ثانياً :
]إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [
العمل الصالح
ولأنّ الإيمانَ حقيقةٌ إيجابيةٌ متحركةٌ ، كان العملُ الصالحُ هو الثمرةَ الطبيعيةَ للإيمان ، فمَا إنْ تستقرَّ حقيقةُ الإيمانِ في ضميرِ المؤمنِ حتّى تسعَى بذاتِها إلى تحقيق ذاتِها ، في صورةِ عملٍ صالحٍ ، فلا يمكنُ أنْ يظلَّ الإيمانُ في نفسِ المؤمنِ خامداً لا يتحرّك ، كامنًا لا يَتَبَدَّى ، فإنْ لم يتحرّكِ الإيمانُ هذه الحركةَ الطبيعيةَ فهو مزيَّفٌ ، أو ميتٌ ، شأنُه شأنُ الزهرةِ ، ينبعثُ أريجُها منها انبعاثاً طبيعياً ، فإنْ لم ينبعثْ منها أريجٌ فهو غيرُ موجود .
والعملُ الصالحُ ليس فلتةً عارضةً ، ولا نزوةً طارئةً ، ولا حادثةً منقطعةً ، إنما ينبعثُ عن دوافعَ ، ويتّجهُ إلى أهدافٍ ، ويتعاونُ عليه المؤمنون .
الإيمانُ ليس انكماشاً ، ولا سلبيةً ، ولا انزواءً ، ولا تَقَوْقُعاً ، بل هو حركةٌ خَيِّرَةٌ نظيفةٌ ، وعَمَلٌ إيجابيٌّ هادفٌ ، وعمارةٌ متوازنةٌ للأرض ، وبناٌء شامخٌ للأجيال ، يتّجهُ إلى الله ، ويليقُ بمنهج الله ، ورَحِمَ اللهُ عمرَ بنِ عبد العزيز إذ يقول : ( إن اللّيل والنهار يعملان فيك ، فاعمل فيهما ، ويأخذان منك ، فخذ منهما )
كلما اتَسعتْ رقعةُ العملِ فشملتْ أعداداً كبيرةً من بَني البشرِ حتى دخلتْ فيه الأممُ والشعوبُ ، وكلّما امتدّ أمدُ العملِ وطالَ حتى توارثتْ ثمارَه أجيالٌ وأجيالٌ ، وكلما تغلغلَ العملُ في كيانِ الإنسانِ كلِّه ؛ الماديّ والنفسيّ ، والاجتماعيّ ، والروحيّ ، حتى تحقَّق به وجودُ الإنسان ، وتألّقتْ من خلاله إنسانيتُه ، وكان كما أريد له أن يكون ، إذاً كلما اتسعتْ رقعةُ العمل ، وعَمَّ خيره ، وطالَ أمدُه ، واشتدَّ تأثيرُه ، كانَ أعظمَ عندَ اللهِ .
هذه صفاتُ العملِ الصالحِ ، فالنبيّ صلى الله عليه وسلم أَخْرَجَ الناسَ مِن الظلمات إلى النور ، ومِن دَرَكَاتِ الجاهليةِ إلى أعلى مراتبِ الإنسانية ، وغيَّر وجهَ التاريخِ البشريّ كله ، إلى اليوم ، وإلى ما شاء الله ، في ثلاث وعشرين سنة ، أقامَ فيها دينًا جديداً ، وربَّى عليه جيلاً فريداً ، وأنشأ أمّةً مثاليةً ، وأسّسَ دولةً عالميةً ، في هذا الزمن اليسير ، على الرغم مِن كلّ الصعوباتِ والعوائقِ التي اعترضتْ سبيلَه مِن أوّل يومٍ .
ويزدادُ ثقلُ العملِ في ميزانِ الحقِّ ، وتتضاعفُ قيمتُه ومثوبتُه عند الله كلما كثرتْ العوائقُ في سبيله ، وعظُمتِ الصوارفُ عنه ، وقَلَّ المُعينُ عليه .
هداية النبي صلى الله عليه وسلم
ويزدادُ ثقلُ العملِ في ميزان الحقِّ ، وتتضاعفُ قيمتُه ومثوبتُه عند اللهِ حينما تَفْسُدُ المجتمعاتُ ، وتضطرب الأحوالُ ، فيجور الأمراءُ ، ويتجبّرُ الأقوياءُ - كما ترون - ويترفُ الأغنياءُ ، ويداهِن العلماءُ ، وتشيع الفاحشةُ ، ويظهرُ المنكرُ ، ويختفي المعروفُ ، وفي الحديث عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ ))
[أخرجه مسلم (2948)، والترمذي(2201)]
وهنا محلُّ الإشارةِ إلى أنّ الإنسانَ إذا رُزِقَ التوفيقَ في إنفاقِ وقتهِ يستطيعُ أنْ يُطيلَ عمرَه إلى ما شاء الله بعد موته ، فيحيا وهو ميت ، ويؤدّي رسالتَه وهو تحت التراب ، ففي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ ، إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ))
[أخرجه مسلم (1631) عن أبي هريرة]
فكيف إنْ لم يكن له عملٌ أصلاً ، ووافتْه المنيّةُ .
وفي حديثٍ آخرَ تضمّنَ تفصيلاتٍ لهذه الثلاث ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ ))
[رواه ابن ماجه(242)وابن خزيمة في صحيحه (2490)]
وأَخرجَ مسلمٌ في صحيحه أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال :
(( مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ ))
[رواه مسلم (1017)، والنسائي(5/75) وغيرهما عن جرير بن عبد الله ، وللحديث تتمة]
فوَيْلٌ ، ثم ويلٌ ، ثم ويلٌ ، لِمَنِ انقضتْ آجالُهم ، وضلالاتُهم ، وآثامُهم باقيةٌ مِن بعدهم ، وهنيئاً ، ثم هنيئًا ، ثم هنيئًا لِمَن كانوا تحت الثرى ، والناسُ مهتدُون بهديهم سعداء بأعمالهم .
قال صاحب الحكم العطائية : ( رُبَّ عُمُرٍ اتَّسعت آمادُه ، وقلَّتْ أمدادُه ، ورُبَّ عُمُرٍ قليلةٌ آمادُه ، كثيرةٌ أمدادُه ، ومَنْ بوركَ له في عُمرِه أدركَ في يسيرٍ مِنَ الزمنِ مِنَ المِنَنِ ما لا يدخلُ تحتَ دائرةِ العبارةِ ، ولا تلحقُه وَمْضَةُ الإشارةِ ) .
[شرح الحكم العطائية للشرنوبي]
ثالثاً :
]وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ[
لأنَّ النهوضَ بالحقِّ عسيرٌ ، والعوائقَ كثيرةٌ ، والصوارفَ عديدةٌ ، فهناك هوى النفوسِ ، ومنطقُ المصلحةِ ، وظروفُ البيئة ، وضغوطُ العمل ، والتقاليدُ ، والعاداتُ ، والحرصُ ، والطمعُ ، عندئذٍ يأتي " التواصي بالحق " ، ليكونَ مذكِّراً ، ومشجِّعاً ، ومحصِّناً للمؤمنِ الذي يجدُ أخاه معه يوصيه ، ويشجِّعه ، ويقف معه ، ويحرصُ على سلامته ، وسعادته ، ولا يخذُله ، ولا يسلبُه ، وفضلاً عن ذلك ، فإن" التواصي بالحق " ينقِّي الاتِّجاهاتِ الفرديةِ ، ويَقِيها ، فالحقُّ لا يستقرّ ، ولا يستمرّ إلا في مجتمعٍ مؤمنٍ ، متواصٍ ، متعاونٍ متكافلٍ ، متضامنٍ .
فالمرءُ بالإيمانِ والعملِ الصالحِ يكمِّل نفسَه ، وبالتواصي بالحقِّ يكمِّل غيرَه ، وبما أنّ كيانَ الأمةِ مبنيٌّ على الدِّينِ الحقِّ الذي جاءنا بِالنَّقلِ الصحيح ، وأكّده العقلُ الصريحُ ، وأقرَّه الواقعُ الموضوعيّ ، وتطابقَ مع الفطرة السليمة ، فلا بد أنّ يستمرَّ هذا الحقُّ ، ويستقرَّ ، حتى تشعرَ الأمةُ بكيانها ، ورسالتها ، " فالتواصي بالحق " قضيةٌ مصيريةٌ ، فما لم تتنامَ دوائرُ الحقِّ في الأرض ، تنامتْ دوائرُ الباطلِ ، وحاصرتْه ، " فالتواصي بالحق " يعني الحفاظَ على وجودِه ، والأداءِ لرسالته .
رابعاً :
]وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[
الصراع بين الحق والباطل
لقد شاءتْ حكمةُ الله جل جلاله أنْ تكون الدنيا دارَ ابتلاءٍ بالشَّرِّ والخيرِ ، ودارَ صراعٍ بين الحقِّ والباطلِ ، لذلك كان التواصي بالصبر ضرورةً للفوزِ بالابتلاءِ ، والغلبةِ في الصراعِ .
إذاً : لا بد مِنَ التواصي بالصبر على مغالبةِ الهوى ، وعنادِ الباطل ، وتحّملِ الأذى ، وتكبّدِ المشقةِ ، لذلك يعدُّ الصبرُ وسيلةً فعالةً لتذليلِ العقباتِ ، ومضاعفةِ القدراتِ ، وبلوغِ الغاياتِ ، قال تعالى :
]إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ[
[سورة النساء ، الآية 104]
العبرةُ ليست في إنفاقِ الوقتِ ، بل في استثماره ، فالوقتُ إذا أنفقناهُ ضاعَ ، أما إذا استثمرناهُ فسينمو ، ويُؤتِي ثمارَه في مستقبلِ حياتنا ، وللأجيال القادمة .
إذًا كيف يُنفقُ المسلمُ الزمنَ إنفاقاً استثماريًّا ؟ لئلاّ تُحقَّق به الخسارةُ ، إنَّ هذا ما يسمَّى في المصطلح الحديث (إدارة الوقت) ، وهو موضوعُ الخطبةِ اليومَ .
الوقتُ في حياةِ المسلمِ عبادةٌ ممتدَّةٌ ، أمّا الوقتُ في الثقافةِ الغربيةِ ، والنظرياتِ الماديةِ ، فإنه لا يخرج عن نطاقِ المثل الشائع : " الوقت هو المال " ، وإذا وَازَنَّا هذه العبارةَ بقولِ الحسنِ البصري رحمه الله تعالى : ( أدركتُ أقواماً كان أحدهم أشحَّ على عمره منه على دراهمه ودنانيره ) ، نَستنتجُ أنّ الوقتَ عندَ المسلمِ أغلى مِنَ المالِ ، ذلك أنّ المسلمَ يُدرك أنّ المالَ يمكنُ تعويضُه ، بينما الوقتُ لا يمكن تعويضُه.
الإنسانُ حينما يَحرقُ مبلغاً كبيراً مِنَ المال يُحكَم عليه بالسَّفَهِ ، ويُحْجَر على تصرفاتِه ، ولأنه مركَّبٌ في أعماقِ الإنسانِ أنّ الوقتَ أثمنُ مِنَ المالِ ، بدليلِ أنه يبيعُ بيتَه الذي يسكنُه ولا يملكُ شيًا سِوَاهُ ليُجريَ بثمنِه عمليةً جراحيةً ، متوهِّمًا أنّها تزيدُ في حياتِه سنواتٍ عدةً ، فالوقتُ عندَ كلّ إنسانٍ أثمنُ مِنَ المال ، وبناءً على هذه المُسَلَّمَةِ فإنّ الذي يُتلفُ وقتَه أشدُّ سَفَهاً مِنَ الذي يُتْلِفُ مالَه .
إدارة الوقت
إدارةُ الوقتِ هِي فعلُ ما ينبغي ، على الوجهِ الذي ينبغي ، في الوقتِ الذي ينبغي ، الوقتُ مِن ذَهَبٍ ، بل أغلى من الذهب ، بل هو لا يُقدَّر بثمن ، إنه أنت ، ويُعَدُّ الوقتُ أحدَ أربعةِ مواردَ أساسية في مجال الأعمالِ ؛ المواد ، والمعلومات ، والأفراد ، ثم الوقتُ الذي يُعدّ أكثرَها أهميةً ، لأنه كلما تَحَكّمَ الفردُ في وقتِه بمهارةٍ وإيجابيةٍ استطاعَ أن يستثمرَه في تحقيقِ أقصى عائدٍ ممكنٍ مِنَ المواردِ الأخرى ؛ حيث إنّ الفردَ عندما يديرُ وقتَه بشكلٍ فعّالٍ هو في الحقيقة يديرُ نفسَه ، وعبادتَه ، وعملَه ، ودنياهُ إدارةً فعّالةً .
كي نكونَ واقعيّين ، إنْ لم يكنْ بالإمكانِ استثمارُ كلِّ الوقتِ ... فعلى الأقلِّ يمكنُ أنْ نستثمرَ أكبرَ قدْرٍ مِنه .
وعلى الرغمِ مِن هذه الأهميةِ الكبيرةِ للوقتِ ، فإنّ أكثرَ العناصرِ والمواردِ هدراً ، وإنّ أقلَّها استثماراً ، سواء من الجماعات ، أو من الأفراد ، هو الوقتُ ، ويعود هذا لأسبابٍ عدّةٍ ، أهمّها عدمُ الإدراكِ الكافي للخسارةِ الكبيرةِ المترتبةِ على سُوءِ إدارتِه .
الوقتُ مَوْرِدٌ نادرٌ ، لا يمكن تجميعُه ، ولأنّه سريعُ الانقضاءِ ، وما مضى منه لا يرجع ، ولا يعوَّض بشيء ، كان الوقتُ أنفسَ وأثمنَ ما يملكُ الإنسانُ ، وترجعُ نفاستُه إلى أنه وعاءٌ لكلِّ علمٍ ، ولكلِّ عملٍ ، ولكلِّ عبادةٍ ، فهو في الواقعِ رأسُ المالِ الحقيقيّ للإنسانِ ، فرداً ومجتمعاً.
ومِنْ هذا المنطلقِ يعدُّ الوقتُ أساسَ الحياةِ ، وعليه تقومُ الحضارةُ ، فصحيحٌ أنّ الوقتَ لا يمكن شراؤُه ، ولا بيعُه ، ولا تأجيرُه ، ولا استعارتُه ، ولا مضاعفتُه ، ولا توفيرُه ، ولا تصنيعُه ، ولكن يمكن استثمارُه وتوظيفُه ، أولئك الذين لديهم الوقتُ لإنجازِ أعمالِهم ، ولديهم أيضاً الوقتُ لمعرفةِ ربِّهم ، وعبادتِه ، والتقرّبِ إليه ، عرفوا قيمتَه ، هم يستثمرون كلَّ دقيقةٍ مِن وقتهم ، ولذا فإدارةُ الوقتِ لا تنطلقُ إلى تغييرِه ، أو تعديلِه ، أو تطويرِه ، بل إلى طريقةِ استثمارِه بشكلٍ فعّالٍ ، ومحاولةِ تقليلِ الوقتِ الضائعِ هَدْراً مِن دون فائدةٍ 0
لا يمكن إعادة الوقت
يؤكِّد بعضُ العلماءِ منذ زَمَنٍ قديم أنَّ الوقتَ يمرُّ بسرعةٍ محدّدةٍ وثابتةٍ ، فكلُّ ثانيةٍ أو دقيقةٍ ، وكلُّ ساعةٍ تشبهُ الأخرى ، وأنّ الوقتَ يسيرُ إلى الأمامِ بشكلٍ متتابع ، وأنه يتحركُ وَفقَ نظامٍ معيَّن مُحكَم ، لا يمكن إيقافُه ، أو تغييرُه ، أو زيادتُه ، أو إعادةُ تنظيمه ، وبهذا يمضي الوقتُ بانتظامٍ نحو الأمام ، دون أيِّ تأخيرٍ أو تقديم ، ولا يمكن بأيِّ حالٍ مِنَ الأحوالِ إيقافُه أو تراكمُه أو إلغاؤُه أو تبديلُه أو إحلالُه ، إنّه موردٌ محدَّدٌ يملكُه الجميعُ بالتساوي ، فعلى الرّغم مِنْ أنّ الناسَ لم يُولَدوا بقدراتٍ أو فُرَصٍ متساويةٍ ، فإنهم جميعا يملكون الأربعَ والعشرين ساعةً نفْسَها كلَّ يومٍ ، والاثنينِ والخمسينَ أسبوعاً كلَّ عام ، وهكذا فإن جميعَ الناس متساوون في ناحيةِ المُدَّة الزمنية ، سواء أكانوا من كبار الموظفين أم مِن صغارهم ، مِن أغنياء القوم أم مِن فقرائهم ، لذلك فالمشكلةُ ليستْ في مقدار الوقتِ المتوفّر لكلٍّ مِن هؤلاء ، ولكنْ في كيفيةِ إدارةِ الوقت المتوفّر لديهم واستخدامِه ، وهل يستخدمونه بشكلٍ جيِّدٍ ومفيدٍ في إنجاز الأعمالِ المطلوبةِ منهم ، أو يهدرونه ، ويضيِّعونَه في أمور قليلة الفائدة .
إنّ إدارةَ الوقتِ هي تحديدُ هدفٍ ، ثم تحقيقُه ، قال تعالى :
]أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[
[سورة الملك : الآية 22]
ولا شكّ أنّ مَنْ يمشي إلى هدفٍ وغايةٍ واضحةٍ أهدى مِمَّن يَخبِطُ خَبْطَ عشواء ، هذه حقيقة .
الوقتُ نعمةٌ عظيمةٌ ، تؤكِّد السُّنّةُ المطهّرةُ ما جاء في القرآن الكريم مِن أنّ الوقتَ مِنْ نِعَمِ الله على عباده ، وأنهم مأمورون بحفظه ، مسؤولون عنه ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ ))
[رواه البخاري (6049) ، والترمذي (2304) وغيرهما]
ومعنى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ))
أيْ الذي يُوَفَّقُ لذلك قليلٌ ... فقد يكون الإنسانُ صحيحاً ، ولا يكون متفرِّغاً لشغله بالمعاش ، وقد يكون مستغنيًا ، ولا يكون صحيحاً ، فإذا اجتمعا - الصحةُ والفراغُ - فغَلَبَ على الإنسان الكسلُ عن الطاعة فهو المغبونُ ، والغبنُ أنْ تشتريَ بأضعافِ الثمنِ ، وأنْ تبيعَ بأقَلّ مِن ثمنِ المِثْلِ .
الوقتُ مسؤوليةٌ كبرى ، فقد قال عليه الصلاة والسلام :
((لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ ،وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ ))
[رواه الترمذي عن أبي برزة الأسلمي(2417)]
الوقتُ وعاءُ العبادةِ ، فالصلاةُ والزكاةُ والصيامُ والحجُّ ونحوُها عباداتٌ محددَّةٌ بأوقاتٍ معيَّنةٍ ، لا يصحّ تأخيرُها عنها ، وبعضُها لا يُقْبَل إذا أُدِّيَ في غير وقته ، فهي مرتبطةٌ ارتباطاً وثيقاً بالوقتِ ، الذي هو عبارة عن الظرفِ أو الوعاء الذي تُؤَدَّى فيه .
ومما ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحثِّ على أداءِ العباداتِ في وقتِها قولُه حين سئل :
(( أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا ، وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ ، ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ))
[البخاري(504) ، ومسلم(85) عن ابن مسعود]
الوقت في حياة النبي عليه الصلاة والسلام :
لقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم قيمةَ الوقت ، فجعلتَه ظرفاً لبطولاتٍ تعجزُ عن صنعَها الأممُ والشعوبُ ، حتّى أقسمَ اللهُ في عليائه بِعُمُرِكَ الثمينِ ، فقال تعالى :
]لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ[
[سورة الحجر : الآية 72]
وربى أصحابه على معرفة قيمة الوقت ، حتى أن سيدنا علياً رضي الله عنه قال :
( والله لو كُشف الغطاء ما ازددت يقيناً ، ولو علمتُ أن غداً أجلي ما قدرتُ أن أزيد في عملي)
[حاشية السِّنْدي على سنن النسائي(8/96) مِن قول عليٍّ]
وكان عليه الصلاة والسلام مِن أَشَدِّ الناسِ حِرْصاً على وقته ، وكان لا يَمضي له وقتٌ مِن غير عَمَلٍ لله تعالى ، أو فيما لا بدّ له لصلاحِ نفسه ، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه يصف حالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( كان إذا أَوَى إلى مَنْزله جَزَّأ دُخولَه ثلاثة أجزاء : جُزءا للّه ، وجُزءا لأهلْه ، وجُزءا لنَفْسه ، ثم جَزَّأ جُزْءَهُ بَيْنَهُ وبين الناس ، فَيردَ ذلك على العامَّة بالخاصَّة ))
[ابن سعد في الطبقات الكبرى (1/423) ، والبيهقي في شعب الإيمان(2/156)]
وفي السنة النبوية الشريفة إشارات إلى أهمية الوقت :
فعن أبن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( اِغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ : شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ، وَفَرَاغِكَ قَبْلَ شُغْلِكَ ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ ))
[أخرجه الحاكم في المستدرك (4/341) ، وابن أبي شيبة في المصنف (7/77) ، والمنذري في الترغيب والترهيب (4/125)]
بل في حديث رائع عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ ))
[أخرجه أحمد (13004)]
لابن القيم رحمه الله تعالى قول في قيمة الوقت في حياة المسلم ، يقول : ( فالعارفُ ابنُ وقتِه ، فإنْ أضاعَه ضاعت عليه مصالحُه كلها ، فجميعُ المصالحِ إنما تنشأ مِنَ الوقت ، فمتَى أضاعَ الوقتَ لم يستدرِكْه ، فوقتُ الإنسانِ هو عمرُه في الحقيقة ، وهو مادةُ حياتِه الأبديةِ في النعيم المقيم ، ومادةُ المعيشة الضنكِ في العذابِ الأليمِ ، وهو يمرّ أسرعَ مِن مَرِّ السحابِ ، فما كان مِن وقتِه لله ، وبالله فهو حياتُه وعمرُه ، وغيرُ ذلك ليس محسوبًا مِن حياته ، وإنْ عاشَ فيه عيشَ البهائم ، فإذا قَطَعَ وقتَه في الغفلةِ والشهوةِ والأماني الباطلةِ ، وكان خيرُ ما قطعه بالنوم والبطالة ، فموتُ هذا خيرٌ له مِن حياته ، وإذا كان العبدُ وهو في الصلاة ليس له من صلاته إلا ما عَقَلَ منها ، فليس له من عمره إلا ما كان فيه بالله وله) .
[الجواب الكافي لمَن سأل عن الدواء الشافي (ص201) ، بتصرف يسير]
من جَهِل قيمةَ الوقتِ فسيأتي عليه موقفان خطيران ، يتذكّر فيهما قيمةَ الوقت .
الموقف الأول : ساعةُ الاحتضارِ ، حينَ يودِّع الدنيا ، ويستقبلُ الآخرة ، ويتمنّى لو مُنِحَ مهلةً من الزمن ، وأُخِّر إلى أجلٍ قريبٍ ، ليُصلِحَ ما أفسدَ ، وليتداركَ ما فاتَ .. قال تعالى :
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ*وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ[
[سورة المنافقون : الآية 9-10]
ويأتي الرد الإلهيّ :
]وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[
[سورة المنافقون : الآية 11]
الموقف الثاني : في الآخرة ، حيث تُوفَّى كلُّ نفسٍ ما عملتْ ، وتُجزَى بما كسبت ، ويدخل أهلُ الجنةِ الجنةَ ، وأهلُ النارِ النارَ ، هناك يتمنّى أهلُ النارِ لو يعودون إلى دارِ التكليفِ ، ليعملوا عملاً صالحاً ، ولكنْ هيهاتَ هيهاتَ ، فقد انتهى زمنُ العمل ، وجاء زمنُ الجزاءِ ، قال تعالى :
]وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ*وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ[
[سورة فاطر : الآية 36-37]
القرآنُ يحذِّر مِنَ الغفلة أشدَّ التحذير ، قال تعالى :
]وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ[
[سورة الأعراف : الآية 179]
آفةٌ أخرى تصيبُ الناسَ ، إنها التسويفُ ، غدًا ، وبَعْدَ غدٍ ، وسوف أتوبُ ، وبعْد انتهاء العام الدراسي ، وبعد تأسيسِ المحلِّ ، وبعْد الزواجِ ، آفة أخرى هي التسويف ، قال الحسن البصري رحمه الله :
(( إيّاكَ والتسويفَ ، فإنّك بيومِك ، ولستَ بغدك ، فإنْ يكن غدٌ لك ، فكنْ في غدٍ كما كنتَ في اليوم ، وإنْ لم يكن لك غدٌ ، فلنْ تندمَ على ما فرَّطتَ في اليومِ ))
وقيل لعالم جليل : أوصنا ، فقال :
((احذروا ( سوف ) فإنها جند من جنود إبليس ))
ولله دَرُّ مَنْ قال :
تزود من التقوى فإنك لاتدري إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر
فَكَمْ مِن سَليمٍ مَات مِن غيرِ عِلّة ٍ وَكَمْ مِن سقيمٍ عَاشَ حِيناً مِنَ الدَّهْرِ
وَكَمْ مِن فتًى يُمسي ويُصبحُ آمناً وقد نُسِجَتْ أكفانُه وهو لا يَـدْرِي
***
عبدُ اللهِ بن رواحةَ ، صحابيٌّ جليل ، القائدُ الثالثُ في معركةِ مؤتةَ ؛ ففيما تروي بعض السيرُ ، حين قُتل زيدٌ ، القائدُ الأولُ ، ثم قُتل جعفرُ ، القائدُ الثاني ، وجاء دورُه في القيادة ، وكان شاعراً ، تردَّد قليلاً في حَمْلِ الراية ، وقال هذين البيتين :
***
يا نفسُ إلاّ تُقْتَلي تَمُـوتِي هذا حِمَامُ الموتِ قدْ صَلِيتِ
وما تمنَّيتِ فقد لقِيـــتِ إنْ تفْعلِي فِعْلَهُمَا هُدِيــت
ثم أخَذَ الرايةَ ، وقاتلَ بها حتى قُتِلَ ، وكان النبيُّ عليه الصلاة والسلام مع أصحابه فقال :
(( أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ، فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرُ فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا ، لَقَدْ رُفِعُوا لِي فِي الْجَنَّةِ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ عَلَى سُرُرٍ مِنْ ذَهَبٍ ، فَرَأَيْتُ فِي سَرِيرِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ ازْوِرَارًا عَنْ سَرِيرِ صَاحِبَيْهِ ، فَقُلْتُ : بِمَ هَذَا ؟ فَقِيلَ لِي : مَضَيَا وَتَرَدَّدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ بَعْضَ التَّرَدُّدِ وَمَضَى))
[مجمع الزوائد (6/160) ، وقال : أخرجه الطبراني عن رجل من الصحابة ، وانظر حلية الأولياء (1/120) ، والسيرة النبوية(5/31) ، وتفسير القرطبي (10/368)]
قرأتُ البيتين ، وعددتُ الزمنَ ، فكان الزمنُ عشرَ ثوانٍ فقط .
أرأيت أيها القارئ إلى هذا التردُّدِ الذي لا يزيد عن عَشْرِ ثوانٍ ، كيف أنّه هَبَطَ بمنزلةِ صاحبِه في الجنة ، مع أنّه بَذَلَ حياتَه في سبيل الله ، إنَّ هذه القصة إنْ صحَّتْ تؤكِّد قيمةَ الوقتِ في حياة المسلم .
* * *
وإذا كان الوقت هو البعد الرابع للأشياء ، أو هو البعد الحركي للمادة ، فالشمس لها علاقة بموضوع الوقت : يقول الله تعالى :
]وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ[
[سورة يس : الآية 38]
الشّمسُ الزمانُ ، وهي سببُ حصولِه ، ومُنْشَعَبُ فروعِه ، وأصولِه ، وكتابُه بأجزائِه وفصولِه ، لولاها ما اتَّسقتْ أيامُه ، ولا انتظمتْ شهورُه وأعوامُه ، ولا اختلف نورُه وظلامُه ، قال تعالى :
]وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ[
في مَوْقِعٍ معلوماتيٍّ في حقلِ الإعجازِ العلميِّ في الكتاب والسنة وَرَدَتْ هذه الحقائقُ المذهلة ،
]وَالشَّمْسُ تَجْرِي[
إنّ الشمسَ نجمٌ عاديٌّ ، يقع في الثلثِ الخارجيّ لشعاعِ قرصِ المجرّة اللَّبنية ، وهي تجري بسرعة (230) كلم في الثانية حولَ مركزِ المجرةِ اللبنيةِ ، الذي يبْعُدُ عنه ثلاثين ألف سنة ضوئية ، ساحبةً معها الكواكبُ السيَّارةُ ، التي تتبعُها حيثُ تُكمِلُ دورةً كاملةً حول مجرّتها ، فمنذُ ولادتِها التي ترجع إلى خمسةِ مليارات سنة تقريباً أكملتْ الشمسُ وما تبعَها من نجومٍ ثماني عشرةَ دورةً حولَ المجرةِ اللبنية ، التي تجري نحوَ تجمّعٍ أكبرَ هو كُدْسُ المجرات ، وكُدْسُ المجراتِ يجري نحو تجمّع أكبرَ هو كُدْسُ المجراتِ العملاقُ ، والكُدسُ المجموعةُ الكبيرةُ ، فكل جِرم في الكون يجري ويدورُ حولَ جِرمٍ آخرَ ، وهذا معنى قوله تعالى:
]وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ[
[سورة الطارق : الآية 11]
أي كلُّ نجمٍ يدورُ حولَ نجمٍ آخرَ ، ويرجعُ إلى مكانِ انطلاقهِ النسبيِّ ، وهذه الحقيقةُ تنتظمُ الكونَ كلَّه ، قال عزوجل :
]وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا[
إنّ مستقرَّ الشمسِ هو أجلُها المسمّى ، والمقدّرُ لها مِنَ العزيز العليم ، أي الوقت الذي فيه ينفذُ وقودُها فتنطفئُ ، وهذا المعنى لمستقرّ الشمس نستنتجُه من الآية الكريمة التالية :
]وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى[
[سورة الرعد ، الآية 2]
وقد تكررت هذه الآية الكريمة ستَّ مرات(4) في كتاب الله –
[وهذه المواضع هي :
((اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى))
[ الرعد : 2]
((يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ))
[ فاطر : 13]
((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى))
[لقمان : 29]
((وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا))
[يس : 38]
((لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ))
[يس : 40]
((خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى))
[الزمر : 5]
وهناك موضع آخر ، وهو قوله تعالى :
(( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ))
[الأنبياء : 33]
- ربما كي نتوقف عند الإعجاز العلميِّ الكامنِ فيها ، فحتى القرنِ التاسعِ عشر كانت المعلوماتُ الفلكيةُ تقول بأزليّةِ النجومِ ، أما تقديرُ العزيزِ العليمِ فهو بأنّ للشمسِ أجلاً مسمًّى كَكُلِّ المخلوقاتِ ، ولم يكشفْ عِلمُ الفَلَكِ إلاّ في القرن العشرين أنّ النجوم تولَدُ ، وتنمو ، وتكبُر ، وتهرم ، وتموت ، وقد أشار القرآن الكريم إلى موتِ الشمسِ بالتحديد فقال : image
]إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ[
[سورة التكوير : الآية 1]
تكوير الشمس يعنى موتَها –
[قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية (4/476) : "والصواب مِن القول عندنا في ذلك أن التكوير جمْعُ الشيء بعضه على بعض ، ومنه تكوير العِمامة ، وجمعُ الثياب بعضها إلى بعض ، فمعنى قوله تعالى (كورت) جُمِعَ بعضُها إلى بعض ، ثم لُفَّتْ ، فرُمِيَ بها ، وإذا فُعِل بها ذلك ذَهَب ضوءُها" ]
ويقدّر علماء الفلك أنَّ عمُرَ الشمس الحالي هو أربعة مليارات سنة ونيِّف ، ويبقى فيها من الطاقة ما يمكّنها من أن تضيء لمدة ستة مليارات سنة أخرى ، فينبغي ألا نقلق ، وبعد ذلك تكون قد استنفدتْ وقودَها ، فتدخل في فئة النجوم الأقزام ، ثم تموت ، وبموتها تنعدم إمكانية الحياة في كوكب الأرض ، وينتهي الزمن بالنسبة للأرض ، بمعنًى من معانيه
والحمد لله رب العالمين